حوار مع الشاعر و الإعلامي الكردي السوري مروان شيخي ، نشر و وثق بمجلة دوائر ضوء للثقافة


مجلة دوائر ضوء للثقافة و الأدب.
http://majalatdaouairdaoua.blogspot.com.

مدير النشر و رئيس التحرير :
الكاتب المغربي حسن مستعد

فقرة حوار مع أديب .

قبل الدخول إلى مدينة عامودا ، حيث ينتظرنا ضيفنا و الذي بكرمه و سخائه ، أصبحت رب الدار و هو الضيف ، ضيف في دياره و ضيف على المجلة ، ما هذا العطاء يا حاتم عامودا ؟
لنعرج قليلا على تاريخ سكان هذه المدينة الفريدة من نوعها .
المجتمع الكردي في سورية صغير جدا بالمقارنة مع نسبة الكرد في إيران و العراق و تركيا.
غير الكرد في سوريا تكتيكاتهم بعد نشوء أول حزب لهم عام 1958 ، فقد بدأوا يطالبون بالجنسية السورية و حقوقهم رسميا.
يعيش معظمهم في محافظة الحسكة شمال شرق سورية، في القامشلي و عامودا ، و في بلدتين صغيرتين في محافظة حلب شمال سوريا ، هما عين العرب ( كوباني ) و عفرين ( جبل الأكراد ) و يشكلون أقل من 20% من سكان البلاد. معظمهم من المسلمين السنة و بعضهم من اليزيديين ، إضافة إلى عدد قليل من المسيحيين و العلويين الكرد.
في مارس 2004 ، إنتفض أهالي عامودا كما باقي المدن و المناطق الكردية، دعما لتظاهرات أبناء مدينة قامشلي .
بعد الإنتفاضة عام 2011 ، أصدر الرئيس بشار الأسد بتاريخ 7 نيسان 2011 ، المرسوم الرئاسي رقم 49 ، و القاضي بمنح الجنسية السوريةللأكراد . و تمت تسوية أكثر من مئة ألف شخص ، حسب مصادر محلية.
هانحن الآن على مشارف بلدة شاعرنا الجميل ، عامودا ، فلندخلها آمنين مطمئنين .
هي تقع في الشمال الشرقي من سورية و تحديدا على بعد 25كم شرق مدينة القامشلي ، تقابل من جهة الشمال مدينة ماردين التركية ، و يقارب عدد سكانها 60 ألف نسمة. تعتبر واحدة من أقدم مدن الجزيرة السورية ، فيعيد بعض الباحثين تاريخها إلى ثلاثة آلاف عام .
هي مدينة الوعي القومي الكردي و مدينة الثقافة و المثقفين ، فيها يتمازج الشعر مع الفن و الفكر بميادينه المختلفة و الطرافة و الجنون .
كأن الشعر يحفظ روح عامودا من التعب ، فما إن تخذلها الأقدار ، حتى تنقذها القصيدة فتؤرخ حزنها و همها.
عرفت عددا كبيرا من الشعراء و الأدباء منهم من كتب بالعربية و آخرون بالكردية ، ربما أبرزهم محمد عفيف الحسيني و جكر خوين بالإضافة إلى سليم بركات و الذي ولد و نشأ في ريف البلدة ، و كتب عن سنين طفولته فيها في رواية " السيرتان " . و من كثرة شعرائها قال عنها الشاعر الظريف أحمد الجندي ، الذي كان يضيق ذرعا بكثرة الأشخاص الذين يكتبون الشعر " كل شخصين في عامودا هما عبارة عن ثلاثة شعراء " .
و هي كذلك مدينة الخبرة الزراعية و الصناعية و التجارية ، ضمن الحدود التي تتيحها الإمكانات المادية المقننة و السياسات الحكومية.
أكثر أدواتهم و آلاتهم الصناعية مصنوعة محليا .
ربما كانت عامودا مثالا حيا عن المدن الصغيرة ذات الأفعال الكثيرة ، فهي مدينة لا تقاس بمساحتها و عدد السكان ، بل أنها أكثر كثافة و اتساعا من هذه الأرقام . عامودا ضيق الجغرافيا و سعة التاريخ .
لذلك تشكل المدينة ظاهرة فريدة ، ظلت محل تساؤل الكثيرين عن سر تميزها .

لهذا ، لن نسأل شاعرنا مروان حسام الدين شيخي ، عن سر تميزه ، فقد رضعه من ثدي عامودا المعطاء ، و كان العطاء ، عطائه الغزير و الكثير .
صاحب تجربة بالغة الحضور ، واسعة التأثير ، قصائده تقف على النقيض من الإبتذال و اللغة المشتركة العمياء ، و تحارب التلقي السلبي من القارئ ، مجبرة إياه على التعامل معها بمجموع حواسه في استجابة كلية .
مفرداته لغوية و صوره فنية فريدة في التعبير ، يمتاز بالغزل و الوجدان المنطلق في نسج قصائده ، من خلال نظراته و تأملاته التي تؤمن بفلسفة الجمال لمحاكاة واقع ينم عن البحث عن الحلم ، ينشد الفرح و البهجة و الأمل و الحرية من داخل مظاهر الحزن و الألم ، يستلهم منها كيمياء الشعر و التراكيب الهندسية المتداخلة و المتباينة في روح وثابة إلى فضاءات الوجود ، حيث الحب و الجمال و الطبيعة و الوطن .
قصائده تكتسب شعريتها من خلال علاقات سياقية نظمية ، تقوم على عامل الدهشة الشعرية تعطيها زخما فتشكل بنية النص على مستوى المفردة و الكلمة ، و قد ظهر ذلك في العديد من ومضاته المتشابكة ، المتداخلة بمضمونها و أزمنتها المشتعلة ، التي تضج بالشهقة الشعرية و تعكس الحالة المضيئة و المطلة من عين الشاعر الداخلية ، حتى يشعر المتلقي بأن لا شيء أعمق و أشد اندهاشا من ومضته التي تمكن من اصطيادها و القبض على فيض الأحاسيس فيها .

إنه الشاعر الكردي السوري و الإعلامي المتمترس خلف القريض ، و تحت ضوء شاعري لقناديله التي تنير قناة Rojava الفضائية الكردية في سورية.

- مرحبا بك سيد مروان ، في فقرة :
حوار مع أديب ، بمجلة دوائر ضوء للثقافة و الأدب. سعيد جدا بوجودك معنا .

- أهلا بك أستاذي وسعيد جدا بتواجدي معكم على صفحة مجلة دوائر ضوء .

- 1 س : مروان الشيخي شاعر كبير و إعلامي متفوق ، هذا ما نعرفه عنك ، هلا فككت طلاسم جهل القراء بكم ؟

- ج : مروان شيخي مواليد 1966 مدينة عامودا التابعة لمحافظة الحسكة في سورية ،
- عضو الهيئة الإدارية في اتحاد كتاب الكرد في سوريا
- عضو اتحاد مثقفي الجزيرة .
- معلم متفرغ لتنمية المواهب الشعرية لأطفال المرحلة الابتدائية .
- معد ومقدم برنامج قناديل على قناة روج آفا .
لدي ديوانين مطبوعين الأول بعنوان (جسد لا يحتمل أعضاءه)صدر عن رابطة كاوا
للمثقفين الكرد
الثاني ( أقود بك الغربة ) صدر عن اتحاد كتاب الكرد –سوريا
كتاب قناديل الجزء الأول عبارة عن سيّر ذاتية للكتاب والشعراء قيد الطباعة
بالإضافة لمجموعة مخطوطات بانتظار أن ترى النور .

- 2 س : البدايات الشعرية تتسم بالصعوبة دوما ، كونها مرحلة إثبات الذات.. كيف كانت بداياتك مع الشعر ؟

- ج : بدايتي كانت حب الشعر لدرجة الوله ، و في المرحلة الثانوية بدأت بكتابة الشعر ،
وأتذكر هنا بأن مدرس اللغة العربية كان شاعرا بامتياز ، الشاعر جميل داري الذي كان مرشدا ومعينا لنا والمشجع لكل الشعراء الذين كانوا من جيلي في عامودا ، ولن تمضي حصة دراسية دون قراءته لأحد الشعراء الفطاحل .
كتبت أول قصيدة عام 1986 ونشرتها في جريدة البعث السورية حينها ، وبعدها بدأت بنشر نصوصي في بقية الجرائد والمجلات العربية والمحلية والكردية أيضا .

- 3 س : المعرفة شجرة بفواكه متنوعة ، كيف تنظر إلى ذاتك في ظل تلك الشجرة ، و ما هي الثمرة التي تجذبك فيها أكثر من غيرها ؟

- ج : وجدت نفسي في الشعر أكثر من بقية الأجناس الأدبية وحاولت على مدى ثلاثين عاما ، أن أتفرد بخصوصيتي في الكتابة وأعتقد وصلت لما ابتغيت الوصول إليه بنضج تلك الثمرة .

- 4 س : في بلداننا تتداخل الأمور إلى حد المتاهة ، كيف تقيمون التوازن بين الشخصي و العام ، بين الشعري و السياسي ؟

-ج : بات الكل تائها في زخمة الحروب والحروف ، وسأركز على الشعر الذي بات ملعبا لكل من هب ّ ودبْ وتداخل الرديء والجيد في زحمة الكتابة ، والسبب في ذلك النقاد الذين تصدروا الساحة الإلكترونية بتمجيد من لا يستحق وتقزيم الشعراء الحقيقين ، رغم ذلك ما هي إلا عواصف وستزول لاحقا بغربلة التاريخ الذي يختار الحقيقي من الشعراء .
وبالنسبة لي كلما اقتربت من شواطئ الألم تفتحت شهيتي للبحث عن مفردات ومكونات القصيدة إن كانت تتجه للعاطفة أو السياسة بلغة عاطفية بعيدة عن المفردات السياسية ،
كوني أكره السياسة لأنها جلبت الويلات والدمار والخراب للأوطان .

- 5 س : عند الكتابة عن قضية ساخنة ، بأية عين تنظرون إليها ، أبعين الشاعر أم بعين السياسي ، أم بكليهما ؟

- ج : دائما أختار الشعر على كل شيء وأنظر بعين الشاعر بعيدا عن لغة الساسة ، وقلت بداية أحاول الدّمج بين السياسة والحب بحيث كل قارئ يفسر النص حسب أهواءه وحالته .

- 6 س : الكاتب و الشاعر الكردي كثير الشكوى ، من المعاناة و التهميش و قلة الإهتمام في سوريا أكثر من غيرها ، ما السبب برأيكم ؟

- ج : هناك تهميش مقصود من قبل الحكومات التي رزحت تحت سلطتها بفعل التقسيم من خلال اتفاقية سايكس بيكو التي جزأت كردستان لأربعة أجزاء  ...,ولست هنا بصدد التاريخ الكردي ، لذلك سعى الكاتب والشاعر  الكردي للمحافظة على هويته الثقافية وعدم طمسها في ظل الإقصاء الممارس بحقها ، وقد تضاربت الآراء حول انتماء هذا النتاج الأدبي وهويته ، فهناك من عدّها بأنها تخدم المكتبة العربية ولا تمت بصلة للأدب الكردي ، وقسم آخر عدّه أدب كردي طالما يخدم القضية الكردية وذلك بذكر أسماء وأماكن كردية بالإضافة لتناوله الفلكلور والقصص الشعبية الكردية ، لاطلاع الأخرين على هويته من خلال لغة الآخر . والتاريخ مليء بأسماء كتاب عظام كتبوا بلغة الآخر وخاصة في المغرب العربي على سبيل الذكر الراحل محمد شكري والقائمة تطول .

- 7 س :  المتتبع للشعر الكردي في سوريا ، يلحظ الجانب القومي عليه ، ما مسوغات ذلك برأيكم ؟

- ج : نعم صدقت في طرح سؤالك ، حتى لا تضيع القومية  الكردية وتنصهر بين القوميات كونه أثبت نفسه بجدارة في كافة ميادين الإبداع .

- 8 س : قيل ، الشعر الكردي ما يزال في طور الهواية و لم يرق للإحترافية و التنظيم الأدبي ، ماذا تقول في ذلك؟

 - ج : أوافقك في ذلك ، ولكن ليس الآن وخاصة بعد الربيع العربي فقبل عام 2000 وفي فترة الستينات والسبعينيات  كانت الكتب والكتابة باللغة الكردية ممنوعة طباعة وتداولا وفي جميع أجزاء كردستان ، لذلك كانت أغلب الكتابات  بشكل مباشر فقط ليثبت للعالم أنه موجودا ، ولكن لاحقا برزت أسماء لامعة على الساحة العالمية وبإبداع لا نظير له ، أمثال الشاعر الراحل شيركو بيكس ولطيف هملت وعبد الله بيشو وعبد القادر موسى وحليم يوسف والقائمة تطول واعتذر للذين لم أذكرهم في ردي هذا .

- 9 س : ما مدى الخسائر الفادحة التي لحقت بالثقافات الكردية ، التركمانية ، و الكلدوآشورية ، و تكمن علتها في التعريب الذي همش و طمس الهوية القومية للكرد ؟

- ج : الخسائر كانت  فادحة وفاضحة ومقصودة ، و ذلك لطمس كل تلك القوميات وخاصة الترجمة والتعريب لم يكن في مستوى الجمالية والإبداع .

- 10 س : هناك موضوع ما زال مثار نقاش بين مختلف طبقات المجتمع الكردي ، بين موال لفكرة أن اللغة وسيلة تعبير عن النفس بعيدا عن الهوية الشخصية ، و بين متعصب للغة ، بأن من يكتب بلغة الغير ، إنما يخدم ثقافة الآخر ، ما رأيك ؟

- ج : ناقشت ذلك في سؤال سابق وأكرر هنا أيضا ، هناك فريقين ممن كان مواليا للكتابة بأية لغة غير مهم طالما اللغة وسيلة تفاهم ، ومن خلالها يمكن عرض قوميته وفولكلوره لتعريف الآخر به ، وهناك فريق يفكر بشكل متعصب ومتزمت للغة مبررا ذلك بأن ما يكتب بلغة الآخر يبقى نتاجا لمكتبته وآدابه ، وأنا مع الفريق الأول والدليل في ذلك هناك أسماء أصبحت عالمية في المجال الثقافي وغيره من عرّف العالم من خلال لغة الآخر على نفسه وتاريخه وقوميته ،  كسليم بركات وشيركو بيكس وملاي جزيري وغيرهم .

- 11 س : عند الحديث عن عفرين و عامودا و كوردستان ، لا بد من أسماء ، حامد بدرخان ، سليم بركات (عراب المجازات ) ،  شيركو بيكس ، أحمد خاني ، ماذا تقول عنهم ؟

- ج : هؤلاء هم من تحدثت عنهم من خلال الأسئلة السابقة عواميد وقناديل في عالم الأدب بلغتهم ولغة الآخر ، والذين من خلالهم برزت القضية الكردية على صفحات الكتابة والإبداع العالمي  .

- 12 س :  كيف ترى مستوى الشعر الكردي في سوريا ، و ما مدى الشاعرية التي يتحلى بها الكردي ؟

- ج : الشعر الكردي في سوريا لازال فقيرا وخجولا كمّا ًوليس نوعا ، ويعود السبب في ذلك إلى التعصب القومي للغة دون الإلتفاف على اللغة وتسخيرها في تطوير الشعر لغة وصورة وجمالا ، وأكرر ليس كمّاً هناك أسماء لامعة طوّرت الشعر الكردي وتجاوزت التقليد منه ، بتطرقه أبواب الحداثة بكل أشكالها وأنواعها .

- 13 س :  جميل داري المرشد ، عراب الشعراء الكرد في عامودا ، ماذا تقول عنه ؟ 

- ج : الأستاذ والشاعر وأضيف الناقد أيضا ، جميل داري أحد الفطاحل في اللغة العربية وعراب الشعر الكردي والعربي ، وله الفضل الكبير علي وعلى الكثير من جيلي في فترة الثمانينات ، وأكن له الكثير من المحبة والإحترام في كل لقاء معي أذكر فضله وتشجيعه للشعراء وخاصة في مدينتي عامودا .

14- س : قصيدة الومضة ، قصيدة مكثفة مكتفية بذاتها تجسد موقفا ما ، فهي حالة شعرية تتناول فكرة كاملة بأقل مفردات بحيث تكون لوحة مكتملة فنيا ( لغة وصورة ) ، و كثيرون باتوا يكتبونها مع أنها لا تمت بصلة لها .ما تقييمك لهذا الإبتكار السريع ، كالوجبات السريعة في عصر السرعة هذا ؟

 - ج : عجينتي دائما الشعر ولا أتطرق لبقية الأجناس  حتى أفي الشعر حقه ولا أضيع في الزحمة ، ووجدت نفسي في كتابة الومضة الشعرية منذ بداية كتابتي للشعر ، 
فالذائقة البشرية لم تعد تتقبل القصائد الطوال ،  ذلك أننا نسير في عصر السرعة ، والتطور التقني ، ولا بدَّ من تغيير الأدوات الفنية تبعاً لحال العصر السائدة ، وقد أتت قصيدة الومضة ؛ لتعيد للشعر جمهوره ، ولتقدم نفسها على أنها شكل القصيدة القادم.
 الومضة اقتصاد لغوي من التكثيف والإختزال و الشيء 
الكثير وقد قيل «  البلاغة في الإيجاز ». وقد أثار وجود هذه اللفظة في عالم الأدب ، وتحديدا في القصة والشعر ، الكثير من الجدل ؛ لأن القصيدة الومضة جاءت كشكل جديد ، يقوم على القصر والتكثيف والكثير من الاختزال ، إلا أنها ظلت متمسكة بشرط الإدهاش ، فهي قصيرة مكثفة ، تتضمن حالةَ مفارقةٍ شعرية إدهاشية ، فلها خِتامٌ مدهش مفتوح أو قاطع حاسم.
لقد تطفل الكثيرون على مائدتها ،  ومن المؤسف أننا نرى كثيرا من النصوص التي يطلق عليها أصحابُها إسم ومضة ، وهي لا تتناسب مع المفهوم ولا تتقارب معه بأي شكل من الأشكال . لأن قصيدة الومضة ، لحظةٌ أو مشهد أو موقف أو إحساس شعري خاطف ، يمر في المخيلة ، أو في الذهن يصوغه الشاعر بألفاظ قليلة جدا ، و تأتي محملة بدلالات كثيرة ، وتكون الصياغة فيها مضغوطة حد الإنفجار و الإدهاش . 

-  15 س : أصبحت أخاف على الشعر و على الشعراء الجادين ، بفعل هذا النبات الطفيلي و الطحلبي الذي ترعاه بعض المجلات الإلكترونية و التي أصبحت توزع الكؤوس و 
الميداليات و الشهادات ، على أشباه الشعراء ، فوالله لو اطلعت على قصائدهم المتوجة ، لنتفت شعرك و هجرت شعرك .
هل هذا استهداف للشعر أم تطبيع مع الرداءة ؟

 ج : صديقي ، مُوجع جدا كل ذلك الكم الهائل من الكتابات التي لا تمت للشعر بصلة تحت مسمّيات مختلفة (همسة وخاطرة ونثر وبوح  وإلى ما هنالك من اسماء ) ، وما يؤلمني أكثر بعض النقاد الذين انجروا وراء نزواتهم بالكتابة عن كل ما تكتبه الأنثى من تلك التسميات التي ذكرتها ، ويكتبون قراءة أو تحليلا في النص الفلاني للشاعرة الفلانية ...؟!!!!
والوجع الأكبر كثرة المواقع الإلكترونية الثقافية التي باتت ملعبا لكل اللاعبين في مجال الكتابة ، وتجميع ثلة من الذكور والإناث لإدارة تلك المواقع ، غير معنيين بالشعر أبدا لدرجة عدم إدراكهم بالمدارس والأنماط الشعرية ، فقط للترفيه وهنا بالطبع لا أعمم الكلام ، هناك حالات استثنائية بالطبع .

 - 16 س : في ديوانك " جسد لا يحتمل أعضاءه " ، عالم بلا خرائط ، لكن الشعر بضوابط ، عالم الدهشة و التساؤلات ، واقع يرزح تحت القمع و الوشاية و التيه عبر المنافي ، صراخ ، ضجيج ، احتجاج ، سخرية مرة ، وحدها الأنثى تعيدنا إلى الصحو و الضوء و الجمال ، ماذا عن هذه المتاهة اللولبية ؟

 ج : العلاقة بين الشعر والمرأة ، لا حدود لها ، فهي مطلقة ومفتوحة طالما أن المرأة هي ملهمة الشاعر .
وديواني جسد لا يحتمل أعضاءه حاولت من خلال العنوان ، أن أعبر عن وطن ملَّ من شعبه الرازح تحت سلطة حكومات مختلفة ،  ومعاناته من حرمانه من أبسط حقوقه ، كما طرحت مجموعة من التساؤلات حول وضع الإنسان المسلوب من إرادته بالإضافة لحالات نفسية للإنسان المقهور والذي لا ذنب له كونه خلق إنسانا .
وكان للديوان نكهته ووقعه ، ويعبر عن مرحلة من تاريخي الأدبي ، ومع ذلك أرى أن ديواني الأخير ( أقود بك  الغربة ) هو الأقرب إلى قلبي ، لأنني أشعر بأنه حقق لي قفزة نوعية في حياتي الأدبية .

- 17 س : أنت كاتب و شاعر و إعلامي ، برنامجك الثقافي الجميل قناديل ، سير ذاتية لأدباء مروا على بساط الإبداع ، من يكمل الآخر ، الشاعر أم الإعلامي؟

 ج : عملي الإعلامي يأكل من حرف أشعاري وكتاباتي ، فانشغالي الدائم بحكم عملي كمعد ومقدم للبرنامج ، يجعلني مهملا للجانب الحياتي في شخصيتي وتركيبتي ،
و رغم ذلك فأنا على دراية تامة ، أن الشاعر بحاجة للإعلام ، فسابقا كان الشاعر نفسه إعلاميا متنقلا من خلال كتاباته ومع تطور الحياة والتكنولوجيا ، ضاع الشاعر بين الكم الهائل من انشغالات حياته وكثرة المتهافتين على الكتابة . وفي الأخير بإمكاني القول بأن الإثنين يكملان بعضهما ولا استغناء عن بعضهما .

- 18 س : أكثر من ثلاثين سنة ، و أنت تشعر و تكتب ، عمر من التعب ، والحصيلة ماذا ؟

- ج : الحصيلة قناديلي تلك ، وكتاباتي التي باتت تؤرخني فيما بعدي .

- 19 س : هل كان علي أن أطرح سؤالا ، و سقط سهوا ؟

- ج : أبدا كفيت ووفيت من التساؤلات .

- كلمة أخيرة : أشكرك جدا صديقي ، وطالما هناك كتاب أمثالك ، فسيكون الأدب بكل انواعه بخير ، وهذا الكلام أيضا يُضاف للسؤال السابق عن حصيلة العمر .
لكم التوفيق والمحبة لمجلتكم الموقرة .

- و بدوري أشكرك على تلبيتك للدعوة ، و آمل أن نلتقي في قادم الأيام ، متمنياتي لك بمزيد من التقدم و الرقي و الإبداع .

حاوره : الشاعر حسن مستعد

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

نص الحوار الأدبي ، مع أيقونة جربة ، الشاعرة التونسية حياة بربوش ، نشر و وثق بمجلة دوائر ضوء للثقافة و الأدب

نص الحوار الأدبي مع الفائزة في المسابقة العربية للقصة القصيرة، القاصة المصرية ريهام حمدي إسماعيل ، منشور و موثق بمجلة دوائر ضوء للثقافة و الأدب