قصة اليتيمة للكاتبة الشابة لبنى زهواني ، نشرت ووثقت بالمجلة

مجلة دوائر ضوء ، تعنى بالشؤون الثقافية و الأدبية.
http://majalatdaouirdaouairdaoua.blogspot.com


فقرة : أقلام مبدعة .

تشجيعا من المجلة لاكتشاف المواهب الصاعدة في مجال الكتابة الأدبية ، بتبنيها و مواكبة مسيرتها الإبداعية .
لبنى زهواني ، من المغرب ، طالبة جامعية و قاصة شابة على طريق الإبداع ، تسير بخطوات ثابتة ، و تطمح لتصبح ذات يوم كاتبة و أديبة مرموقة ، و لم لا ؟ أول الغيث قطرة ، و مسافة الألف ميل تبدأ بأول خطوة ، متمنياتنا لها بالنجاح و التوفيق في مسارها الإبداعي ...

قصة قصيرة بعنوان :

- اليتيمة -
مرت ساعة تقريبا ، وفاطمة لازالت تنتظر مجيء جدتها ، فهي جد متحمسة للقائها والتحدث إليها ، ففي آخر زيارة لها حكت لها مجموعة من القصص الجميلة ، ووعدتها في المرة القادمة أنها ستروي لها قصصا أخرى في غاية الروعة ، و هاهي اللحظة التي تنتظرها فاطمة ، الجدة أخيرا قد وصلت ، إنها عجوز كبيرة في السن ، ضعيفة الجسد ، تملأ وجهها تجاعيد كثيرة ، ومع هذا كله فهي تحمل ذاكرة قوية وجيدة ، بعد استقبالها و استضافتها أجمل مما كانت تتصور ، أسرعت فاطمة إلى حضنها الدافئ، وقبلتها على جبينها قائلة لها بإبتسامة بريئة :
- جدتي ، ألا زلت تتذكرين وعدك لي؟ أتمنى ألا تكوني قد نسيته"
ردت الجدة والبسمة حاضرة على شفتيها :
- أكيد متذكرة ، فأنا لازلت على وعدي ، قصتي لك هذه المرة مختلفة ومميزة ، ليست كباقي القصص ، تحمل عنوان " اليتيمة "
فاطمة :
- واااو ! أنا جد متحمسة لسماعها هيا يا جدتي .
قالت الجدة بعد لحظات كأنها تسترجع أحداث القصة والبسمة مختفية تماما من وجهها :::"" كان يا مكان ، فتاة تبلغ من العمر سبع عشرة سنة ، فتاة خجولة جميلة الملامح وخلوقة ، فقدت والديها في حادثة سير مميتة ، بقيت المسكينة وحيدة. فهي لا تملك لا أخا ولا أختا ، بعد مرور ما يقارب سنة . وفي يوم فاجأها صاحب البيت يطلب منها دفع الإيجار قائلا لها :" لقد صبرت عليك عاما كاملا ، ظننت أنك ستشتغلين وتدفعين لي ما تراكم عليك من واجبات الكراء ، لكن ظني خاب فيك ، والآن إما تدفعين الإيجار أو تغادرين " كانت كلماته تلك بمثل صاعقة سقطت على تلك المسكينة التي لا تملك أحدا بجانبها ، ظلت صامتة تفكر في حالها ، ماذا ستفعل ؟ و ارتأت أن تجمع أغراضها و تغادر ، قبل أن يطردها في المرة القادمة .
و ما إن دخلت غرفة والديها ، حتى بدأت بالبكاء و النحيب ، ذكرياتها معهما تتساقط عليها كالمطر الغزير ، أخدت صورة كبيرة لهما كانت معلقة ، ومن شدة توترها سقطت منها الصورة و تكسرت ،  شيئ ما وراء الصورة أثار انتباهها ، كانت هناك وثيقة مطوية ومخبأة بعناية ، إنها شهادة تبني والديها لها ، فهما ليسا والديها الحقيقيين،  ومع ذلك لم يثيرا انتباهها يوما إلى ذلك ، و عاودتها نوبة البكاء ، ضاقت بها الأرض بما رحبت ، و لم تعد تدري بعد اكتشافها للحقيقة ،  كيف تتابع حياتها ، أضحت فريسة عدة أفكار سوداء ، فكرت في قتل نفسها كي تستريح من  هموم ومشاكل الحياة التي لا حدود لها . قطع تفكيرها دقات بالباب ، جرت مسرعة لفتحه،  وإذا بصاحب البيت أتى مجددا ، خاطبته وعيناها مغرورقتان بالدموع :
- أعطني مهلة يوم  واحد فقط ، وسأترك لك البيت  و..."  قاطعها فجاة :
- لا ، ليس كذلك ، لم يعد هناك داعيا للمغادرة ، فهذا البيت أصبح ملكا لك ، فقد غيرت رأيي " فاجأها رده ،  فلم تمر ساعة على مجيئه وإصراره على إخلائها البيت ، كيف  حصل ذلك ؟ شكرته كثيرا رغم أنها شعرت بشيء غريب  وراء كلامه وفعله ، وفي نفس اللحظة بعد إغلاقها الباب سمعت همسا . اطلت من النافدة و إذا بصاحب البيت يتحدث مع رجل غريب ، طويل القامة ، ذو صوت حاد ، تناهى إلى سمعها كلام ذلك الغريب يقول لصاحب البيت :" شكرا لك ،  فأنا لن أنسى تعاونك هذا معي ، و أرجو منك حفظ هذا السر ولا تخبرها بشيء ..." رد عليه هو الآخر :" أعدك بهذا ، فهي لن تعرف أنك من اشترى لها البيت "،  تفاجأت الفتاة بما سمعته ، من يكن هذا الكريم الذي قام بمساعدتها؟ أرادت أن تتعرف على وجهه لكن لم تتبين ملامحه لأنه كان يعتمر قبعة كبيرة    ونظارة سوداء ، ترى من هو ؟ وماذا وراء مساعدته هذه ؟ لكن مع كل هذه الأسئلة غمرها شعور بالراحة و الإطمئنان ، لأنها أخيرا تخلصت من كابوس البيت وإيجاره ،  عادت إلى لغرفة ، لتعيد ترتيب الأشياء التي بعثتها ، و تفكيرها منصب على كيفية العثور على والديها البيولوجيين ، فكونها متبنية،  و هي حقيقة لا يمكن تغييرها ، لكن لا تدري إن كانا قد تخليا عنها أم هناك سر آخر لا تعرفه. 
في يوم وهي عائدة من مدرستها لمحت من بعيد صاحب البيت يحادث نفس الشخص الذي رأته معه من قبل . الرجل ذو القبعة الكبيرة،  مد لصاحب البيت كيسين مملوئين بمستلزمات البيت من خضر وفواكه... ، أسرعت في اتجاههما وما إن وصلت حتى ذهب ذلك الرجل في سيارة سوداء اللون ، وبقيت أسئلتها معلقة في الهواء دون جواب ، أما صاحب البيت فلما رآها سلم لها الكيسين قائلا لها :" اعتبريها هدية مني ، هيا خديها " أخذتها منه وشكرته ، لم ترغب في أن تشعره بأنها تعرف لمن هذين الكيسين و كذا  موضوع البيت ، أرادت أن تكتشف الأمر بنفسها ،  منذ متى وذاك الرجل يعرفها والأهم من ذلك من يكون؟ 
مرت الأيام و هي هكذا على حالها ،  تراقب صاحب البيت علها تلتقي بذلك الرجل اللغز  وتتعرف عليه . بعد مرور يومين ،  حل نفس الشخص مجددا للقاء صاحب البيت ، وأخيرا رأت ملامح وجهه المجهولة ،  كانت مفاجأة بالنسبة لها ، هو لم يكن غريبا أبدا عليها ، أخذت تسترجع صور ملامحه . ثم صاحت  :" نعم إنه نفس الرجل الذي كنت قد رأيته سابقا ، عندما كنت في انتظار أبي ليأخذني من المدرسة  إلى البيت ، كأن يتطلع إلي بنظرات كلها حب وحنان ، و هو نفسه من اشترى لي الحلوى ، رغم أنني لم أقبلها منه فقد ألح علي  لأخذها منه . وهو نفسه من أنقدني يوما من سيارة كانت ستصدمني . وهو الشخص الذي اشترى لي البيت ، ويرسل لي أكياس المؤونة  ويهتم بي ، لكن كل هذا من بعيد ، لماذا ؟  ولا يريد حتى أن أعرفه ، لماذا ؟ و من يكون ؟... " كلها أسئلة تؤرق تفكيرها ، لم تشعر بقدميها وهي تسير شاردة الذهن،  حتى كادت سيارة مارقة على وشك صدمها ،  و مرة أخرى كان ذلك الرجل أسرع  وأنقدها للمرة الثانية،  كأن أحداث الماضي تعود ، صرخ بكل ما أوتي من قوة :" ابنتي هل تأديت؟ هل انت بخير؟" ، تفاجأت الفتاة لسماعها كلمة ابنتي لأول مرة بعد وفاة من تبنوها  ،  و كيف أنقذها و الخوف في عينيه .  تطلعت إليه قائلة :" من أنت ؟ وماذا تريد مني؟ وما معنى كل هذا ؟ تمليكي البيت ، أكياسالمؤونة  هذا الاهتمام المبالغ فيه ؟ " ، نظر إليها هو الآخر مترددا ، حائرا  ومتوترا ، وفي لحظة نطق قائلا :
" في الحقيقة أنا والدك الحقيقي طوال السنين الماضية وأنا أراقبك من بعيد ، وأخاف أن أواجهك بالحقيقة ،  لأنه فيما مضى من زمن ، كانت هناك عصابة تختطف الأطفال و تقتلهم ، و ذات يوم كنت ضحيتها ، بحثنا عنك كثيرا و في كل مكان لكن دون جدوى ، حتى فقدنا الأمل وظننا أنهم قتلوك ،  لكن الحقيقة أنه لم يصبك أي أذى ،  لأنه تم القبض عليهم ، بعدما تخلصوا منك . و أودعتك الشرطة الميتم . عندما وصلتنا الأخبار بمكان وجودك  جئنا ركضا ، لكن لسوء حظنا كانت هناك أسرة قد تبنتك و رحلت بك إلى مدينة أخرى . امك المسكينة  لم تتحمل فراقك ، و غادرت الحياة و كلها حسرة وقلق عليك ، أما أنا فبقيت أبحث ولم أكل من البحث  حتى وجدتك ، لكنني كنت دائما أنظر إليك من بعيد ، و أخاف إذا ما عرفت الحقيقة ، حتى وصلتني أخبار من تبنياك أنهما تعرضا لحادث وتوفيا،  ومنذ ذاك الوقت وأنا هنا بالقرب منك محاولا مساعدتك ذون إثارة انتباهك  " ، ظلت المسكينة تنصت إليه دون أن تنطق بحرف واحد ، وتركت العنان لدموعها تتساقط مدرارة ،  بعد برهة من الزمن و بعد أن غادرتها دهشة المفاجأة ، إرتمت في  حضنه ، عانقته وبكت  كثيرا ،  الشيء الذي خلف ارتياحا في نفسيته ، فهو أخيرا واجه ابنته الوحيدة  بالحقيقة واجتمع بها في آخر المطاف.
ما إن انتهت الجدة من سرد القصة لحفيدتها حتى بدأت بالبكاء دون توقف ، قالت لها فاطمة وهي تمسح دموعها:" لماذا يا جدتي تبكين ، فلست انت من حدث لها كل هذا أليس كذلك؟ لم تجب الجدة وإنما بقيت ملتزمة الصمت ودموعها لم تتوقف ، عادت فاطمة وقالت لها من جديد 
:" معقول أن تكوني أنت يا جدتي ؟ هل انت هي نفسها اليتيمة المتبنية التي مرت بكل هذا ؟" ، نظرت إليها بعد أن كشفت أمرها ، لطالما كانت فاطمة متميزة بالذكاء ، أجابتها قائلة :" نعم يا صغيرتي ، إنها أنا ،  نفسها التي  فقدت الأمل في الحياة وظنت أنها منهزمة لكن للحظة ، استرجعت كل التفاؤل والأمل من جديد ، الحمد لله على كل حال دائما وأبدا ، هيا هذا يكفي لليوم قد حان موعد نومك " 
ذهبت فاطمة للنوم لكن قصة جدتها الحزينة أثرت فيها كثيرا وستنقش في ذهنها إلى الأبد 











Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

نص الحوار الأدبي ، مع أيقونة جربة ، الشاعرة التونسية حياة بربوش ، نشر و وثق بمجلة دوائر ضوء للثقافة و الأدب

حوار مع الشاعر و الإعلامي الكردي السوري مروان شيخي ، نشر و وثق بمجلة دوائر ضوء للثقافة

نص الحوار الأدبي مع الفائزة في المسابقة العربية للقصة القصيرة، القاصة المصرية ريهام حمدي إسماعيل ، منشور و موثق بمجلة دوائر ضوء للثقافة و الأدب