حوار مع أديب

مجلة دوائر ضوئية :

         - فقرة حوار مع أديب 

حوار مع الشاعر العربي : عبد النبي عبادي .

تمهيد : 
         يعتبر الشاعر و الأديب و المسرحي ، عبد النبي عبادي ، أحد من لهم باع في الشعر و القصة و المسرح . و محبة في معرفة نبض من فيض حياة هذا الرجل الألمعي ، و رغبة في الإحاطة القاصرة بجميل تجاربه و ذكرياته و آرائه ، كان لنا معه هذا الحوار الشيق المفعم بصدق الشعور ،و خالص الإحساس .

س: بداية نرحب بك أديبنا و شاعرنا الكبير ،  في هذه الفسحة الحوارية التي نتمنى صادقين أن تسافر بنا - عبرها - و بالأحبة القراء ، إلى عالمك المليء بروعة الحياة ، و جمال الروح و بهجة القلم ، و أول سؤال نود منك الإجابة عليه هو : 

- من هو الشاعر و الأديب،  عبد  النبي عبادي من جهة مولده و سيرته التعلمية و التعليمية؟

- أنا من جنوب مصر، ولدتُ فيه وتعلمت فيه وأعملُ فيه. لقد تخرّجتُ في الجامعة معلّما للغة الإنجليزية في 2008م كما أنني أمارسُ الكتابة الإبداعية الشعرية على مستوى النّشر منذ عام 2013م ثم بدأت كتابة النص المسرحي في العام 2018م. وقد حققتُ في ذلك قليلا ، لكن ذلك القليل أتاح لي تواجدا معقولا بين أبناء جيلي من الكتّاب، لقد حصلتُ على المركز الأوّل في المسابقة المركزيّة لقصور الثّقافة 2014م عن ديوان ( لا هي تشتهيك ولا هم يعرفونك ) والمركز الثّاني في مُسابقة المجلس الأعلى للثقافة/ دورة بهاء طاهر 2015 عن ديوان( من حُزن الحظ) ثم المركز الثالث في مُسابقة " الفُجيرة الدولية لمسرح المونودراما" 2018م عن النص المسرحي "مليكة"، وهي مسرحيّة شعريّة والمركز الثالث في مسابقة الهيئة العربية للمسرح 2019م عن النص المسرحي "سيدة اليوتوبيا" وكرّمني "بيت الشّعر" بالأقصر مع مجموعة من الشعراء الشباب في احتفاليّته باليوم العالمي للشّعر 2017م.

- س : كغيرك من الشعراء ، لا بد أن تكون لك بدايات على درب الأدب و الكلمة الجميلة و الوضيئة ، متى و اين كانت أول تجربة شعرية لك ؟ 

- ج : دعني أقول لك أن بداياتي لم أبرحها بعدُ ، فأنا ما زلتُ في بدايتي ، أو كما قلتُ في إهداء مجموعتي الشعرية التي تصدر قريبا بعنوان "شيئا فشيئا" : " إلى الذي لم يأتِ بعد، لعله يجيء!". لكن البدايات الأولى كانت في الثّانوية العامّة حيثُ دخلتُ حديقة الإبداع من باب "القصة القصيرة". كنت أكتبُ قصصا قصيرة وأشارك بها أحيانا في نشاط المدرسة كما كنتُ أستمتع بكتابة المقال.
وفي سنوات الجامعة بدأتُ أقرأ الشّعر بوعي ومن ثم بدأتُ كتابة الشّعر باللهجة العامية المصريّة لكن ذلك لم يدُم طويلا إذ عرفتُ طريقي للكتابة الشعرية بالفصحى.

- س : هل يمكن أن تحدثنا عن بعض المؤلفات التي أصدرتها ؟

- في عام 2014 صدَرت مجموعتي الشعريّة الأولى "على بعد فاطمة أو أقل" عن مشروع النشر الإقليمي بوزارة الثقافة ،  ثم جاء العام 2016 لتصدر مجموعتي الشعرية الثّانية "لا هي تشتهيك ولا هم يعرفونك" عن الهيئة المركزية لقصور الثقافة. وفي مطلع العام الحالي 2020 صدر كتابي الثالث "الشعر والعولمة" وهو قراءات في علاقة العولمة والوسيط الإليكتروني بالشّعر العربي

- س : حول طريقتك في كتابة القصيدة ، هل تكتمل و تنضج في خيالك، أم تبدأ النظم و الكتابة مباشرة ؟

- ج : كما يقولُ الشاعر والناقد الدكتور علي جعفر العلاق، القصيدة قد تبدأُ من عبثِ شفيف باللُّغة. وقد يبدو أنه ليس لديّ طقوس اعتيادية في كتابة القصيدة، فكل نص لدي مُغامرة وتجربة ومحاولة جديدة، لكنني أفكر دائما بالشّعر. في كل وقت تحضرُني مطالعُ القصائد، لكن الوعي بالشعر وبطبيعة الإبداع المعاصر تجعلُني أستسلمُ لمطلع مُعين وأستبعدُ آخر، أدوّنُ مطلعا على الورق وأتركه جانبا، بينما يظل آخر يعتمل في نفسي وعقلي زمنا فأناوره وأعالجه بالتأمل والقراءة والإصغاء لصوتي أنا الداخلي وصوت الموجودات اللا مسموع من حولي. ما ينضج في خيالي قبل اكتمال النص هو "الرؤية" ومساحة الإبداع التي أريد الاستحواذ عليها من خلال النص ثم يتطور كل ذلك أثناء الكتابة، فاللغةُ تصبحُ حدثا يحرّك داخلي مسارات وتيارات جديدة في النص. ويجبُ أن أتحكم في كل تلك التيارات عن طريق الوعي بالبؤرة الحقيقية للنص الذي أكتبه، فلا يتشظّى ( إلا لضرورة فنية حقيقية).

 - س : ما الجدوى من الشعر و غيره ، في زمن ضمور القيم و استفحال الرداءة ؟

- ج : إن السؤال عن جدوى الشعر يُشبه السؤال عن جدوى قولنا "صباحُ الخير" و "كيف حالكم" و "كل عام أنتم بخير" و غيرها من العبارات التي نقولها بشكل متكرر، بوعي وبدون وعي، بحب أو بغير حُب، بصدق أو بتصنّع. لكنّها تظلُّ شاهدا على رغبة الإنسان الجامحة في التواصل والتواجد والحياة. الشعرُ هو أحدُ الضمانات الأكيدة إذا أردنا مواجهة ضمور القيم واستفحال الرداءة، فالشعر هو الذي يُغذّي مجسّات الجمال لدينا وهو الذي يخلق توترا في حساسيتنا تجاه الكون ويعيد تخليق قاموسنا العاطفي والمعنوي ثم ينعكسُ على المادي الموجود فينا ومن حولنا.
لا إبداع بلا فلسفة، ولا شعر بلا لُغة؛ لذلك فالشّعرُ هو السؤال الفلسفي المتكرر عن جدوى الكلام وجدوى اللغة وفُرص نهوضها المتكرر من عثراتها المتكررة. ولا نستطيعُ أن نتخيل فلاحا يحرث حقله دون أن يُغنّي ولا بائعا يتجول في الشوارع دون أن يتمتم ويترنم ويغني، إننا نغني لطلابنا في الفصول حتى يتعلّموا ، كل ذلك شعرٌ.

- س : ما رأيك في المجلات الإلكترونية التي تعنى بالثقافة و الأدب ، هل هي ظاهرة صحية ؟ و كيف تميز بين الغث و السمين فيما تنشره ؟

- ج : هي ظاهرة صحيّة، لكن لا يجبُ أن تكون "مجانية" ، بمعنى أن تنشر أي مادة وتتوجه لأي مُتلقّي. المشكلة تكمن في أن كثيرا من هذه المجلات يستسلم لسيل الوارد من نصوص متفاوتة الجمال والقيمة والجدية، فيُمعن في النّشر دون وعي بطبيعة المُنتج الذي يُريدُ توكيده أو تحقيق تراكمٍ فيه.
إن التمييز بين الغث والسمين يتوقف على مفهومنا عن "الغث" و "السمين"، فكل تيار يتخيل أن ما يقدمه هو الزاد الحقيقي، وقد أُصيب الواقع الإبداع العربي بداء التعصب الثقافي والرغبة في إقصاء المُختلف إبداعيا. لا أقول أن المجلات عليها أن تنشر كل شيء بدعوى تقبل الآخر، لكننا نتحدث عن نصوص بها الحد الأدنى جماليا والحد الأقصى من سلامة اللغة. الخطيرُ في الأمر أن أصحاب النصوص يعتبرون مجرد نشرها شهادة بالتفرد والإبداع غير قابلة للطعن ولا للمناقشة، لقد ناقشتُ شاعرا مرة حول كتابٍ له، فقال لي "هذا كتاب صادرٌ عن جهة كذا وقد حكّمته لجنة فيها فلان وفلان ..." كأنه يقول لي لا حاجة لتعقيبي ولا لرأيي أو حتى نقدي لكتابه.
أنا أفرق بين "ذائقة الكتابة" و "ذائقة التلقي"، ولا يجبُ أن يقتصر اهتمامنا على ما يوافق ذائقتنا في الكتابة فقط.

- س : كيف ترى مستقبل الشعر و الشعراء ؟

- ج : الشعرُ يتطوّر وقد بدا أنّه يحاول استيعاب ثورة الوسيط الرقمي ويسعى للاستفادة منه، وعلى عاتق الشعراء تقع مسئولية التطوير والتجويد ومن ثم عليهم الإخلاص للشعر في الشعر والتوقّف قليلا عن الاحتفاء الزائف بالجوائز وبالأسماء وبالبرامج دون احتفاء حقيقي بالنص على مستوى التلقي والتأويل والنقد وإعادة الإنتاج.

- س : ما هي النصائح التي تسديها للشعراء الشباب الذين هم في الطريق إلى مضارب القبيلة ، أي قبيلة الشعراء ؟

- ج : القراءة وإعادة القراءة ثم الكتابة وإعادة الكتابة.

- س : هل هناك صعوبات في نشر ديوان شعري ، و مشاكل دور النشر ، و عزوف القراء عن متابعة القراءة على الورق ،بعدما التهمتهم شاشة الفضاء الأزرق ؟

- ج : لم يعد النشر تحديا، بالإمكان نشر أي شيء حاليا ورقيا أو إليكترونيا وبالتالي يجدُ القاريء غير الواعي صعوبة في تحديد ما يقرأ وما يلفظ، حتّى شاشة الفضاء الأزرق صارت وحشا يلتهمُ الشاعر الرديء الذي لا يميّز بين كلمات المجاملة والمصلحة وبين كلمات الثناء الحقيقي أو النقد المُخلص.

- ما هي كلمتك  الختامية ؟

- أود أن أشكر من قلبي مجلة دوائر ضوء ، من خلال فقرة "حوار مع أديب" التي أتاحت لي فرصة الحديث عما أحب وسط جمهور من المهتمين والمبدعين والمخلصين . أكرر شكري مرات ومرات وتحيتي لكم وللقرّاء الكرام.

- المحاور : بدورنا نشكركم شاعرنا و أديبنا ، على سعة صدركم ، و طهارة ضميركم ، و حسن أخلاقكم ، و كمال إخلاصكم ، و ألف شكر على ما نثر خاطركم عبر هذه الرحلة الحوارية ، التي نسأل الله أن يمتع بها القراء ، كما تمتعنا بها نحن - المحاورين - و دمت متألقا كعادتك أيها الكبير ..

أحبائي القراء ، لم يبق لي إلا أن أودعكم ، على أمل اللقاء بكم ، في حلقة قادمة من حوار مع أديب .
حتى ذلك الحين ، أترككم للإبحار على متن قصائد الشاعر الرائعة ، لسبر أغوار بحرها ، و اكتشاف مكنوناته من درر .

               قراءة ممتعة .   

 1 - ألطاف

منْ أوّل السّطر الذي ..
ما زالَ سطراً واحدا ،
ينسابُ ترياقُ البِشارَةِ 
أمردا ومُمَرّدا !
ويهُبُّ عطرُ العطرِ ممشوقَ النّسيمِ ، 
يجوبُ أطرافَ اللّياليَ والسّنينْ . .

تبّتْ يدا 
منْ لامَسَ الكفّينِ غيرُ الشّاعِرِ الشّوافِ ..
إذْ شَهِدَ الفُنونَ وشاهَدَا !
....
لا ترتقي إلا على قلبٍ
ولا يرقى لَهَا . .
 إلاّ صَدى 
قَدْ حانَ أوّلُ تائِهٍ ، 
قَدَحانِ مِنْ عِنَبِ الرّوايةِ والرّؤى . .
قَدَحا صبيّاً صابيا ،
فأصابتا منهُ اثنتانِ من الخوارِقِ 
طَيشَهُ ،
فانصاعَ للرّقيا على كَتِفِ  السّكونِ
 وأخلَدا ..
 
لمْ تعترفْ بالمشي إلّا . .
كَي تُعبّدَ لي الطّريقَ ، 
فألتقيهِ مُمهّدا 
لم تقترف كُحلاً ولا . .
حَطّتْ على حنّائهَا رحلا ولا . .
 ساقَتْ مواسِمَهَا سُدى !
كُلّ الفُصولِ تمُرّ من جَلبابِهَا 
وتَعُبُّ مِنْ صَبرِ جَميلٍ 
ما عدا ..
فصلُ الحنينِ يمرّ من عَطَشي 
ويسقي العابرينَ 
يلمّهم ويُعدُّ من لَحمِ الرّجاء
موالدا وموائدا !
أناْ ليس بي شِعرٌ ،
لأسكُبني عليّ قصائدا وقصائدا 
بلْ ليسَ بي بشرٌ 
فأبكي ما استطعتُ /
أردّني منّي إليّ /
ألوذُ بي منها /
وابتدرُ المتاب َ
معابدا ومساجدا ...

عَيني عليّ ! 
ولا أرى إلاي بين َ ..
خطيئتي وقبيلتي 
وأنا ابن من في الأرض  . .
حتّى يُشرقُ النّعناعُ بين أصابعي ،
أو أفتديكِ بمَا معي ؟!
لا حرّضَتْ عيناي هُدباً ناعسا 
أو هيّجَتْ كفّاي .. 
باباً موصدا 
أنا لا أُبالغُ في المقالِ
ولا أُزاحمُ في السؤالِ 
لأنّني قولُ المقولِ 
وردُّ أسئلةِ الغيابِ ،
نذيرُ قُطعانِ الكلامِ 
وسيّدِ الشّهداءِ في صمتي
 أنَا لا أُناكِدُ غيرَ يوميَ 
إنْ بدَا .. 
أرمي على حُلمي السّلامَ ،
أضيعُ منهُ ،
وأحملُ الأشجارَ في صدري ،
وأنتعلُ العواصفَ والغُبارَ 
ليَ الرّمالُ . .
ولي سؤالٌ . .
عندَ أطرافِ القصيدَةِ 
ألتقيهِ مُجدّدا 
لمْ يعترفْ بالصّبرِ إلّا شاعرٌ 
 لا فرقَ نبكي الآنَ 
أو نبكي غدا !

من كتاب "لا هي تشتهيك و لا هم يعرفونك " .

2 - بلا أثر

أجيءُ في قصيدةٍ قديمةٍ، 
نسيتُها،
لعلّها تُحرّضُ السّحابَ أو تُداعبُ الشّجرْ
أقولُ لي :
"دَعْ الذي يَمرّ
هادئاً يمرّ"
فرُغمَ أن موسمَ الوداعِ واسعٌ
 ووقتُهُ طويلْ
سيهجمونَ فجأةً ويهدمون – كالجياع – قُبّةَ الرّحيلْ
وعندما  تدقُّ في الفراغِ ساعةُ الضّجَرْ
سأنحني
أُقبّلُ المسافَةَ التي قَطَعتُها
وأنتهي
كريشةٍ بلا أُثَر ..

            ____________
3 - مُنتهى

سُحُبٌ ..
تَمُوءُ عَلَى الجُفُونِ 
فمن يطَاردُ عُشبَهَا .. 
ويعيدُ  تَرْتيبَ السّماءِ  بلا دُخان أَمَامَهَا 
لا لِيْ عَصَاً ،
أوْ نَاي . .
 يَحْمِلُنِي لأوّلِ حُزْنِهَا 
كُلُّ الذِي أَعْطَتْنِيَ الدّنْيَا . .
يَدَايَ ،
ودَهْشَتي  ! 
هبني أُطارِدُ مَا تَيَسّرَ 
مِنْ حَمَامٍ فَوْقَ هُدْبَيْهَا اللذَيْنِ ..
يُحَرّرانِ الذّئبَ مِنْ لُغَةِ الجِبَالِ ،
وَيَتْرُكَانِ النّهْرَ مَيْسُوراً لِقطْعَانِ المَهَا 
يَا أوّلَ الشّعرِ الْتَقَيْنَا 
- أيْن ؟
- لا أَدري تَمَامَاً !
كُنْتُ وَهْمَاً . .
لا يَلِيقُ بِشَاعِرٍ
أوْ كُنْتُ شِعْراً . . 
لا يَليقُ بِوَاهِمٍ . .
حِينَ الْتَقَيْنَا فِي سديمٍ،
لا يوافقُ رُؤْيةَ الرّائِي وَتَأْويلَ المُؤِّولِ 
إنْ تَذَكّرَ أوْ سَها

أنا من يُطبّبُ عِلّتِي سَيْرِي
وَيُسْعِفُنِي النّدَى ..
أناْ مَنْ أَنَا وَأنَا أُحِبّكِ ؟
لا تُعَرّفْنِي القَصيدةُ وَحْدهَا ؛
إذ كُلُّ رُكْنٍ فِيّ تُوجِعُهُ المَرَاثِي 
كُلُّ أَوْرِدَتِي تُؤَدّي للبُكَاءِ 
كَأَنّ لِيْ فِي الأَرْضِ مملكةَ الحنينِ
وصولجان الحب

والأشواقُ سدرةُ منتهى!

حاوره : الكاتب و الشاعر المغربي حسن مستعد .

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

نص الحوار الأدبي ، مع أيقونة جربة ، الشاعرة التونسية حياة بربوش ، نشر و وثق بمجلة دوائر ضوء للثقافة و الأدب

حوار مع الشاعر و الإعلامي الكردي السوري مروان شيخي ، نشر و وثق بمجلة دوائر ضوء للثقافة

نص الحوار الأدبي مع الفائزة في المسابقة العربية للقصة القصيرة، القاصة المصرية ريهام حمدي إسماعيل ، منشور و موثق بمجلة دوائر ضوء للثقافة و الأدب