قراءة للكاتب و الشاعر حسن مستعد ، في الكتابة الشعرية للشاعر المصري حسام عربي ، نشرت و وثقت بمجلة دوائر ضوء للثقافة و الأدب .
في الكتابة الشعرية للشاعر المصري حسام عربي عامة ، و قصيدته المنشورة أسفله ، و التي مطلعها : بلليني برائحة شعرك ..
لغة حسام عربي الشعرية تتجاوز نفسها وتنزاح عن المألوف .
الشعر وما أدرانا ما الشعر .
هو نص والنص لغة ، واللغة تتجاوز نفسها وتنزاح عن مألوفها ، يجعل من الأسلوب لغة ثانية في داخل اللغة العامة ، أو هو مرتبة ، تتمثل في حصول الحداثة عند مضمون النص الأدبي ، وذلك بأن يخرق الشاعر العرف السائد في توظيف الفن القولي ، وهذا ما وجدناه في قصائد الشاعر حسام عربي ، متمردة بنصوصها على القيود المهيمنة على دلالة الأدب ، سيما وأننا إزاء قصيدة حديثة جديدة تؤصل لبنيان أدبي وإبداعي متنامي ، أصبحت مصدرا لهوية خاصة محكمة تحت خيمة اللحظة الومضة ، التي تناول فيها الشاعر تناولا لسانيا نابعا من نص شعري سلس غير معقد ، وإنما راح يحاكي اللحظة في بنيان الجملة الشعرية خاصة عندما تكتسب كلمتها القيمة في الوظيفة التي تقوم بها في السياق العام للبناء العام ، فهي ليست حشوا ، ولا ظلا ، وإنما كيان له وجوده ، ولكن عندما ينمو المكان والزمان عنده ، ويحل في الحنين دلالتان متصارعتان ( نداء الحبيب ونشدانه عشقا ) ، معا فيتوسع الإيحاء وتتنازع الدلالات فتزداد اللعبة اللغوية فعالية ، وتشتد هجرة الكلمات بعضها إلى بعض ، ليعكس هذا لونا جماليا إضافيا إلى المتلقي ، حتى يغرق في دائرة الوحدة الدلالية بين ما هو المضمون والشكل والأسلوب ، لنسق هذا المثال :
بلليني برائحة شعرك قبل أن ترحلي
في ليل ابتعادك يغرقني التصحر
ويشربني الضباب المنهمر من سحب
أزمنةٍ تمزقت تحت اصطكاك أسنانك..
وأنت تنطقين حرف الوداع الأخير...
وتبقى المادة العلاماتية التي يتجسد فيها الوعي ، لتبقى حاضرة دائما في كل أفعال الفهم والتأويل لديه ، فكلمات الشاعر تكتسب شعريتها من خلال علاقات سياقية نظمية تقوم على عامل الدهشة الشعرية ، تعطيها زخمها فتشكل بنية النص الشعري على مستوى المفردة والكلمة ، و قمة الوصف الجمالي ، مثال :
أفتش عيون العصافير
أبحث عن دهشة الصبح
فلا أجد غير ليل مدلهم
يأكل أحلامي ويذبح النهار
ويدسني في كحل عينيك خطأ
يسحقه المرود تارة....
وتارةً تمضغه ارتعاشة الجفنين
ويُذيبني في قهوتك الصباحية...
و قد ظهر ذلك في عدد من قصائده المتشابكة المتداخلة
بمضمونها وأزمنتها المشتعلة التي تضج بالشهقة الشعرية ، وتعكس الحالة المضيئة والمطلة من عين الشاعر الداخلية ، حتى يشعر المتلقي بأن لا شيء أعمق وأشد إدهاشا من قصيدته ، التي تمكن من اصطيادها والقبض على فيض الأحاسيس ، مع الأهمية العفوية للغتها النابعة من طبيعة النص القريبة من لغة الحياة العامة .
في لحظة البوح المعمدة
بماء الرحيل
زمليني دثريني في ضحكة أشجار...
تُقبل النهر المندلق من بين شفتيك
الهامستين بأخر حرف من الوجد...
المندس في آخر ردهة في غرفة الصمت .
الكتابة وطنه الذي يلجأ إليه كلما تمزقت الذات في منفى من جمر ، فأراه يهرول في شوارعها يبحث عن دوحة تتحول فيها هواجسه لعناقيد كلام تتدلى من معناه.
فعندما تمطر سماء الكتابة ، يجد نفسه منتعلا حذاء تراثيا ، يمشي به بين شوارع النفس ، يتلفت هنا وهناك لعله يجد ذاته في كهف ، يقيه من عواصفها ، لكنه في الأخير يعانق جسدها ، ويرتمي في جزرها و لا ينام .
هل رأيت قبل الآن جنونا يستوطن البياض ، لا تعرف متى يقرع كيانه عنوة ؟ هل في النهار أم في الليل ؟ حيث يمد الحبر غطاءه فيرتمي فيه يجمع كل الأزمنة في وجدانه ، فيراه في لحظات ما شاعرا تبعثره القصيدة فوق كفه ، وفي لحظات أخرى يتساقط من سماء النثر نجيمات ، لا يعي غير ركضه المتواصل في صداها ، كما تركض خلفه .
أنى ذهب يرى ظل القصيدة يسابق ظله ، فيجد نفسه مشردا أمام بابها ، يتوسل بعضا من عطاياها كلما طافت بأقداحها في حانة الروح .
إنها ذات أقنعة شتى ، ترقص به رقصة الجمال في ساحاته ، تطل عليه في كل صيحة ، تمد له خيط وفائها ليندثر في فتوحاتها . فآه من لقائها وهي تسكر من ثورته وعطشه اللانهائي .
تفتح داخل أضلعه ثقبا تتسلل منه القصيدة متبرجة بدمه ، بعشقه ، بعطشه ، فهل هي ذلك الصباح الذي يشرب من عين الذات أسرارها فلا يأسره غيرها ؟ أم هناك أغنيات أخرى ترقص على إيقاعاتها أصوات تعبر همسه كلما تسللت من رئة هذيانه حرائقها؟
إنه الشاعر الذي يشعل الحرائق في غابات وجدان المتلقي ، و لا يلتفت لدهشته و ذهوله ، يتركه وجها لوجه مع الحروف المشتعلة شوقا و حنينا ، لتكون بردا و سلاما ، و يمضي دون أن يلام ...
إليكم القصيدة :
بلليني برائحة شعرك قبل ان ترحلي
في ليل ابتعادك يغرقني التصحر
ويشربني الضباب المنهمرمن سحب
أزمنةٍ تمزقت تحت اصتكاك اسنانك..
وانت تنطقي حرف الوداع الاخير...
لا تذبحي أشرعة...
كانت تنام علي شطآن انتظارك
وهي في الهزيع الاخير من العشق
فلا تعصري قلبي النائم بين كفيك...
٢.
في لحظة البوح المعمدة
بماء الرحيل
زمليني دثريني في ضحكة أشجار...
تُقبل النهر المندلق من بين شفتيك
الهامستين بأخر حرف من الوجد...
المندس في اخر ردهة في غرفة الصمت
ولفيني في أوراق قصائدي
المعلقة علي اسوار الخرس
بعدما خسرت كل الحروب
وأسلمت رايات هذا القلب العجوز العجوز...
لقادتك الذين شربوا دمي...
نخب انتصارهم الزائف.
ولا تدعيني انتظر على قارعة البهجة
أفتش عيون العصافير
أبحث عن دهشة الصبح
فلا اجد غير ليل مدلهم
يأكل احلامي ويذبح النهار
ويدسني في كحل عينيك خطا
يسحقه المرود تارة....
وتارةً تمضغه ارتعاشة الجفنين
ويُذيبني في قهوتك الصباحية...
المحلاة بأنفاسي اللاهثة في دورب الفقد
الماثل بين يدي الخديعة...
في بلاط صاحبة الجلالة شفتيك...
فلا تشربني جهارا....
حتى لايشاهدونني أذوب...
طواعية بين شفتيك
فيتهمونني بالجنون
كل العيون....
التي شربتني قبلك إتهموها بالبوار...
وإتهموني بالانهيار
وانا بين احضانك في أخر عناق لنا...
وانت في أول خطوة...
على أخر درب للراحلين.
Commentaires
Enregistrer un commentaire