نص الحوار الأدبي مع الفائز المغربي بالمسابقة العربية للقصة القصيرة ، محمد الإمامي منشور و موثق بمجلة دوائر ضوء للثقافة و الأدب
حاوره : حسن مستعد
توطئة :
من قال أن الأدب و ممارسة الكتابة حكرا فقط على أصحاب الشعب الأدبية واهم جدا .
كم من أديب طبيب و مهندس و صيدلي و بيطري ، الأدب لا مهنة له و لا ينحاز لأي كان هو يعرف من أين تبرز الموهبة ، هو يعرف كالأطفال من يحبه و من يكرهه ، لذا تراه وفيا لمن يراه أوفى منه.
ضيفنا الفائز ، مهندس أديب أو أديب مهندس ، يخطط يشرع يبرمج يصمم و ينفد .
أليست الكتابة هندسة؟
قاص و شاعر ، قرأت له كل ما نشر و ما شارك به بالمجلة و وجدت فيه الأديب الأريب و الشاعر المتمكن من السباحة في بحور القريض ، يجيد ترويض اللغة يبرع في الحكي و يخلق الدهشة المفتقدة و يجعل كل الحواس في حالة استنفار لتحتفل بكل الإبهار بما ينثره من درر قلما نجدها في نصوص و أشعار البعض .
هل نشكره هو أم نشكر المسابقة القصصية التي انبثق من سمائها نجم أضاء لائحة الفوز باسم الإمامي ؟ لنشكرهما معا ، و إلى الأمام ، و إلى القمة المرتقبة و الضوء الساطع الآتي من الغد القريب ، و إلى الحوار .
الحوار :
- سعيد جدا بمحاورتك في هذا الحفل التكريمي بفوزك في المسابقة العربية للقصة القصيرة ، تهانئي القلبية بالفوز و شكري العميق لتلبية دعوة الحوار .
على بركة الله نبدأ .
- س1 : القارئ يريد أن يعرف من هو محمد الأمامي ، القاص و الشاعر و الانسان ؟
- ج : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، رمضان كريم وكل عام وانتم بخير.
في البداية، أود أن أشكر كل القائمين على مجلة "دوائر ضوء للثقافة والأدب"، وعلى رأسهم الأديب والشاعر السيد حسن مستعد على المجهودات الجبارة التي تم بذلها اثناء تنظيم المسابقة العربية للقصة القصيرة لهذه السنة. الشكر موصول للجنة التحكيم المحترمة ولدار ببلومانيا للنشر والتوزيع.
معكم في هذا اللقاء محمد الإمامي من مواليد مدينة مكناس المغربية سنة 1969، متزوج وأب لطفلين. مساري الأكاديمي كان علميا بحثا، فأنا مهندس خريج المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط، وحاليا إطارا بوزارة الاقتصاد والمالية. لكن ورغم التخصص الأكاديمي العلمي، فقد كان ومازال تعلقي باللغة العربية والأدب العربي والشعر العربي تعلقا كبيرا، بل ازداد مع مرور الزمن.
‐ س2 : متى بدأت لديك إرهاصات الكتابة ؟
- ج : بدأت أولى إرهاصات الكتابة منذ مرحلة الدراسة الإعدادية أي منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، وكان الفضل في ذلك للمناهج التربوية ولأساتذة اللغة العربية الذين تتلمذت على يدهم، والذين حببوا لي اللغة العربية ومختلف أجناسها الأدبية من شعر ونثر وقصة بل أتذكر أنه وبمناسبة دراسة المقامات وبالظبط مقامات بديع الزمان الهمداني فقد طُلِبَ منا محاولة كتابة نص انشائي على شكل مقامة. لكن محاولاتي الأدبية بقيت حبيسة الأدراج إلى أن جاءت ثورة المواقع الإجتماعية التى شجعتني لنشر هذه الأعمال.
- س3 : تكتب الشعر و القصة القصيرة ، من هذا الجنس الأدبي الذي يجدبك إليه أكثر ، القصة أم الشعر ؟
- ج : في الحقيقة أجد نفسي في كلا الجنسين الأدبيين، فعندما أنغمس في كتابة القصة وأبتعد بعض الشيء عن الشعر أحس بحنين للقريض الذي يجعلني أسافر على بساط سحري من الحروف ويمكنني من البوح بكل ما يخالج صدري بتعابير تمزج بين الخيال والمجاز والصور التي أترك للمتلقي حرية تأويلها من زاوية نظره الخاصة. وفي المقابل كلما غصت في عالم الشعر وابتعدت عن القصة إلا وأحسست بالشوق لتلك المساحة الرحبة التي توفر لي القصة والتي تمكن بنات أفكاري من خلق ما تريد من شخصيات وأحداث ووقائع والتحكم فيها حسب الغرض المرجو من كتابة القصة. وبالتالي هما جنسان أدبيان لا أستطيع تفضيل أحدهما على الآخر.
س4 : من هم الكتاب الذين تأثرت بهم ، و كانوا لك قدوة لسلك نفس سبلهم؟
- ج : قرأت لعدد كتاب المغاربة والعرب والفرنسيين، وكل من قرأت له إلا وترك في وإن غير مباشر على طريقتي في الكتابة، لكن دون أن أقع في التقليد الذي كنت أخشى دائما أن يفقدني خصوصيتي ويحد من حريتي. و يبقى الكاتب محمد شكري من الكتاب الذين تأثرت بكتاباتهم الواقعية والتي كانت مرتبطة بالواقع المعاش بكل تناقضاته مع الغوص في ذلك العالم المسكوت عنه والتجرؤ على المواضيع "المحرمة" كما هو في كتابه "الخبز الحافي"
- س5 : كيف تضع البداية للقصة و متى تقرر أن موعد وضع نقطة النهاية قد جاء ؟
- ج : حسب رأيي الشخصي المتواضع، فإن كتابة قصة ما ، لا تكون من أجل الكتابة فقط بل تكون من أجل عرض فكرة يؤمن بها الكاتب ويقدمها للقارئ في قالب دراماتيكي من الأحداث المتسلسلة والمشوقة مسلحا بكل الآليات المتاحة التي تجعل القارىء يستوعب ويتشرب الفكرة التي يحاول الكاتب عرضها ، لتأتي نقطة نهاية القصة عند استنفاذ الكاتب غرضه كاملا من القصة أو عند جعلها تنفتح على إشكاليات أخرى قد تكون مادة لإبداع أدبي لاحق.
-س6 : هل هناك طقوس معينة للكتابة ؟
-ج : بالنسبة لي تتطلب الكتابة قسطا كبيرا من الهدوء في المحيط الذي يتواجد به الكاتب ، وقد تتطلب في بعض الأحيان خلوة تامة. فبفضل الخلوة والوحدة والهدوء ينتقل الكاتب انتقالا تاما من عالم مادي مليء بالاكراهات والقيود والمثبطات إلى عالم خيالي يحلق فيه الفكر بحرية تامة ، ليشكل الأحداث كما يروق له وليفرض سيرورتها حسب أهواءه وليخلق ما شاء من شخصيات ، ليستخدم كل هذه العناصر مجتمعة لإيصال فكرة تخالج صدره. وتبقى للكتابة ليلا طعم خاص ومردودية وإنتاجية وفعالية أكبر كما يقال بلغة المهندسين.
-س7 : هل ترى أن بين القارئ و المبدع فجوة ، و ما حجمها ؟
-ج : نعم هناك فجوة بين القارئ والمبدع، فالعزوف عن القراءة واقع ملحوظ ولا يختلف حوله اثنان، وذلك مرده لضعف التربية الفنية والثقافية خلال مرحلة الطفولة والشباب والتي تركز خلالها المناهج التربوية على مد الطفل والشاب فقط بالمعلومات التى تمكنه من الحصول على أعلى نقط ممكنة أثناء اجتياز امتحانات والاختبارات الدورية، دون إعارة الإهتمام اللازم لبناء الجانب الثقافي والفني والجمالي من شخصية الناشىء. لكن وبفضل الثورة الرقمية والتي قربت المسافة بين المبدع والقارئ والتي سهلت أيضا عملية التواصل بينهما فإن الإنتاجات الأدبية والفنية باتت تلقى طريقها إلى المتلقي بيسر وسلاسة.
-س8 : هل استطاع النشر الالكتروني أن يخدم الكاتب المبتدئ ، و إلى أي حد يمكن قول ذلك ؟
- ج : كما أشرت في معرض الإجابة على السؤال السابق، فالنشر الإلكتروني عبر الفضاء الرقمي العنكبوتي قد قدم خدمة جليلة للناشر المبتدئ الذي صار بإمكانه الوصول وبيسر شديد إلى عدد كبير من القراء في وقت وجيز ودون جهد كبير. ذلك في الوقت الذي تقتصر المنابر الكلاسيكية على فتح أبوابها فقط للمحترفين الذين تضمن معهم قدرا مهما من مصالحها المادية. لكن هذا الأمر طرح في المقابل إشكالية الجودة واحترام معايير الكتابة، مما يضع مسؤولية كبرى على عاتق المنابر الأدبية الإلكترونية ولجانها التحكيمية التي عليها مسؤولية أخلاقية تلزمها بانتقاء الأجود دون انحياز
- س9 : إلام تعزي هذه الصحوة للقصة القصيرة ؟
- ج : نحن في عصر يوصف بأنه عصر السرعة، لذا فقد صرنا نلاحظ بعض التفوق للقصة القصيرة التي لا يتجاوز عدد كلماتها الثلاثة ألاف كلمة على الرواية التى غالبا ما بقارب عدد كلماتها الثلاثين ألف كلمة. بل صرنا نلاحظ حضورا لافتا أيضا للقصة القصيرة جدا والتي تفي بالغرض الأساس للحكي في نص يتميز بالتكثيف والاختزال دون أن يتعدى خمسين كلمة.
وبالرجوع للقصة القصيرة، فإن ارتباط هذه الأخيرة بالواقع المعاش بكل تناقصاته، بعيدا عن البحث عن التسلية الصرفة بالإضافة إلى عدد كلماتها المحدود يعتبران من الأسباب المباشرة لهذه الصحوة.
- س10 : ماذا تستشرف في أفق القصة القصيرة ، كنص قصصي متطور ، و له مكانته النقدية ؟
- ج : كي نستشرف المستقبل لا يد من العودة إلى الماضي. فبالنسبة للمغرب عرفت القصة القصيرة تطورا كميا ونوعيا مند مرحلة الاستعمار الفرنسي إلى عصرنا الحالي حيث أن جل المجموعات القصصية اللتي صدرت قبل استقلال المغرب كانت تنادي بالتحرر من ربقة الاستعمار مستفيدة من تطور النشر على الصحف، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر "واد الدماء" لعبد المجيد بن جلون، لتأتي بعد ذلك مرحلة الاستقلال والتي تميزت بسيادة الشعور بنشوة التحرر صاحبها ظهور بعض التناقضات الإجتماعية التي لم تكن مألوفة في المجتمع المغربي،والتي كانت ناتجة عن صدمة الحداثة. وكان لذلك أثر كبير على القصة القصيرة والتي انفتحت على ما كان يسميه أحمد شكري "حصاد المعيشة اليومي" من فساد وانحراف وتشرد...
لكن هذه الكتابة التي استمرت في تناول المواضيع الواقعية والرومانسية انفتحت أيضا مع مرور الوقت على موضوع الذات والهوية ومفهوم الحرية الفردية للإنسان عوض مفهوم تحرر المجتمع. ومن أهم رواد هذه المرحلة نذكر الكاتب أحمد بوزفور.
ومن هنا، يلاحظ المتتبع أن القصة القصيرة فن استطاع أن يتأقلم كلما تغيرت الظروف السياسية والاجتماعية، بل يمكن أن نعتبرها بمثابة ناطق باسم المرحلة وشاهد على العصر. ومن هنا فمستقبل هذا الجنس الأدبي مستقبل واعد خصوصا مع تطور وسائل الإتصال والتواصل والتي باتت تسمح بوصول القصة القصيرة لأكبر عدد من القراء.
- س11 : المبدع العربي حقه مهضوم ، و لا يلاقي أدنى اهتمام ، و يعاني أحيانا من اللامبالاة في وطنه ، بماذا تفسر ذلك؟
- ج : الإبداع بصفة عامة يحتاج لمساحة من الحرية لا تحدها خطوط حمراء أو رقابة. لكن إبداعا بهذه المواصفات يتعارض في كثير من الأحيان مع متطلبات المرحلة الراهنة التي تعيشها جل الأنظمة العربية والتى تعتبر الإبداع طفلا مشاكسا ومشاغبا، مما يجعل المبدع لا يتطلع لما يسمى بثقافة الاعتراف.
- س12 : هل لديك إصدارات؟
- ج : لي عدد من القصائد الشعرية والخواطر التي أعكف على جمعها بديوان يحمل عنوان "مسك وعنبر"
كما أنني شاركت بعشر قصائد في ديوان مجمع بعنوان "أحلام الغروب" تحت إشراف الشاعر المصري محمد إمام وبرعاية منتدى بنت الشاطئ الأدبي. تم توثيق الديوان بدار الكتب المصرية
بالإضافة إلى رواية تحمل عنوان "التلوث الكبير جِيبُّول 50" وهي رواية تخييلية تتنبأ بأزمة بيئية كبيرة ستحدث سنة 2050 في حال استمرار تلويث الإنسان للبيئة. ولا يفوتني أن أذكر بالقصة القصيرة الفائزة في المسابقة التي نظمتها مشكورة مجلة "دوائر ضوء للثقافة والأدب" والتي تحمل عنوان "بين عالمين" والتي حاولت أن أتطرق من خلالها لأصعب مرحلة مرحلة من مراحل الحياة ألا وهي تلك التى تسبق وفاة الإنسان وانتقال الروح إلى بارئها، تلك اللحظة التى يكون فيها الإنسان " بين عالمين"، بين دنيا يودعها وآخرة يستقبلها. وحاليا فأنا بصدد الإنتهاء من قصة قصيرة بعنوان "ركلة حظ"، والتي هي قصة كوميدية مضحكة قصيرة، تسرد تعاقب صُدَفٍ يتعرض لها بطل القصة العاطل عن العمل، تبدأ بركلة يتلقاها وهو يغط في النوم من أبيه لتنتهي بزواجه من بنت أغنى رجل بالمدينة وذلك في مدة زمنية لا تتجاوز ست ساعات.
- س13 : كيف كان شعورك و أنت تتلقى خبر فوزك في المسابقة العربية للقصة القصيرة ؟
- ج : كان فرحة كبيرة لا توصف، فقصة " بين عالمين" هي باكورة أعمالي القصصية وهذا الفوز من شأنه أن يكون عاملا محفزا لي من أجل بذل المزيد من الجهود لتقديم الأجود أثناء التعاطى مع هذا الجنس الأدبي الجميل.
- كلمة أخيرة : في الختام أود أن أتقدم بجزيل الشكر لمجلة دوائر ضوء ولرئيسها السيد حسن مستعد على هذه الاستضافة الكريمة. الشكر موصول للقائمين على المسابقة العربية للقصة القصيرة وللجنة التحكيم على المجهودات الجبارة التي تم بذلها في سبيل إنجاح هذا العرس الأدبي.
مرة أخرى رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير أعاده الله عليكم وعلى الأمة الإسلامية باليمن و الخير والبركات.
Commentaires
Enregistrer un commentaire